يقول المشكل: الشيخ الأحسائي (الأوحد) يصر إصراراً عجيباً على أن الأئمة عليهم السلام لا يرون شخص الملك الذي ينزل بالوحي رغم إيراده لقول النبي للوصي صلى الله عليهما و آلهما :{إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرة} ، حيث يقول في شرح الزيارة ج1 فقرة (ومهبط الوحي): " إن الأئمة عليهم السلام يسمعون صوت الوحي من الملك ولا يرون شخصه حين ينزل بالوحي"
:إن هذا الإشكال في الواقع ناشئ من سوء الفهم ، وعدم التمعن في الروايات الشريفة و كلام الشيخ الأوحد فنقول
:(1) النقطة الأولى من يطالع كتب الشيخ الأوحد ومدرسته يجد حقيقة ثابتة وهي أن الوحي بالأصل يفيضه الله تعالى على حقائقهم عليهم السلام ثم يظهر بواسطة الملائكة على أجسامهم عليهم السلام ، في تفصيل ليس هذا محله. أ) يقول الشيخ الأوحد : " وسائر الأنبياء اخبروا بكثير من المغيبات بواسطة الوحي ، و إنما هم و الوحي الذي نزل عليهم حسنة من حسنات محمد وآل محمد صلوات الله عليه و عليهم أجمعين" (الرسالة الإجماعية ، ص59). ب) وقال أعلى الله مقامه: " الملائكة المرسلين في صدورهم بالوحي و الإلهامات من المبدأ إنما تصدر من أنوار حقائق آل محمد عليهم السلام فهم المعلمون للخلق أجمعين" ( شرح الزيارة ، ج1 ص50)
:(2) النقطة الثانية فإذا ثبتت هذه الحقيقة في مدرسة الشيخ الأوحد نقول أن الشيخ لا يقصد أن أهل البيت عليهم السلام لا يرون الملك النازل بالوحي مطلقاً ، و كيف لا يرونه وهو صادر عنهم ، بل مقصده هو أنهم يرونه نازلا على النبي صلى الله عليه وآله و لايرونه نازلاَ عليهم. أي حال الأداء ونزول جبرائيل بالوحي يراه أمير المؤمنين عليه السلام نازلاَ على رسول الله صلى الله عليه و آله
أ) يقول الشيخ الأوحد : " فإنهم لا يرون الشخص النازل بالوحي التأسيسي عليهم لأنه إنما يرونه نازلا على النبي صلى الله عليه و آله" ب) وكذلك صرح في رسالته القطيفية حيث يقول " معنى أن النبي صلى الله عليه وآله يرى الملك و الإمام يسمع الصوت و لا يرى الشخص ، أن الملك ما يظهر بالوحي إلا للنبي صلى الله عليه و آله و الإمام عليه السلام يسمع كلام الملك بالوحي إلى النبي صلى الله عليه و آله ، و إنما لم يظهر له بأنه إنما جاء للوحي فظهوره بالوحي لمحمد صلى الله عليه و آله لا أن الإمام عليه السلام لا يراه ، كيف و لا يصدر إلا بإذنه ، كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : { و الله ما أعلم أن ملكاً في السماء يخطو قدماً بدون إذني إلا و احترق}.
:(3) النقطة الثالثة ويؤيد قول الشيخ ورود العديد من الروايات في بيان حال الأئمة عليهم السلام مع الوحي، منها : ما ورد عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل : {وكان رسولا نبياً} ما الرسول و ما النبي ؟ قال عليه السلام : { النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت و لا يعاين الملك ، و الرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك ، قلت : الإمام ما منزلته ؟ قال : يسمع الصوت ولا يرى و لا يعاين الملك ، ثم تلا هذه الآية : (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي و لا محدث)}. (الكافي 1/176)
وأما قول البعص بأن أمثال هذه الرواية ليست ناظرة للأئمة ، بل لغيرهم من الأنبياء و الأوصياء ، فكلام ليس له محل و مجانب للحق ، فإن على القائل أن يأتي لنا إذاً بالروايات الشارحة لحال الأئمة مع الوحي ، هذا مع ملاحظة أن سؤال السائل : ( و الإمام ما منزلته؟) ولم يقل الوصي مثلاً ، و المتبادر من الإمام هم عليهم السلام ، و الإمام يجيبه بما تبادر لذهنه ، و مع العلم أنه ورد التصريح بأنهم عليهم السلام المراد من المحدث المذكور في الحديث أعلاه (إني و أوصيائي من ولدي مهديون كلنا محدثون) [بصائر الدرات ض392] (إن علياً عليه السلام كان بمنزلة صاحب سليمان وصاحب موسى ولم يكن نبياً و لا رسولاً ، ثم قال : {وما أرسنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث } [اختيار معرفة الرجال ج1 ص 413] وما استدل به الإمام عليه السلام في ذيل هذه الرواية طبق ما استدل به في ذيل تلك ، فلاحظ
:(4) النقطة الرابعة فالمراد من عدم رؤيتهم للملك ليس أنه يغيب عنهم ويحتجب ، وحاشا حجج الله من ذلك ، مع قولهم عليهم السلام : ( أنا حجة الله على خلقه من أهل سماواته و أرضه ، وما في السماء من ملك يخطو قدماً عن قدم إلا بإذني) [ مشارق أنوار اليقيين ص343]. ---------------------------------------------------------------------- الكاتب : ملتقى العقيدة الأوحدية