السيرة الذاتية لآية الله المعظم المولى ميرزا حسن الحائري الإحقاقي أعلى الله مقامه
: ولادته ونشأته العلمية ولد هذا العالم الجليل في اليوم الثاني من شهر محرم الحرام سنة 1318 هـ في البلدة الطيبة ( كربلاء ) من أم عفيفة صالحة مؤمنة عارفة ، قائمة الليل ، صائمة النهار ، ذاكرة لأسماء الله سبحانه و تعالى و أولياءه عليهم السلام ليلاً ونهاراً ، فرضع المحبة و الولاية من الصدر الطاهر و النقي لتلك السيدة المؤمنة خادمة الزهراء عليها السلام فبنيت أركان وجوده ونمت أعضاء جسمه من دم و لحم و شحم و عظم في جسده الشريف ممزوجة بحب أهل بيت النبوة و الولاية عليهم السلام ، ليكون محلاً مناسباً ولائقاً لهبوط و استقرار روحه السامية التي خلقت من طينة مواليه الكرام كما قالوا عليهم السلام ( شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا ... ).
لقد بدت على ناصيته النورانية ، ومن أوائل طفولته ، آثار الفهم و الذكاء و علائم النبوغ و الدراية ، ودلائل المحبة و الولاية لأهل بيت العصمة و الطهارة عليهم السلام بشكل لفت انتباه والده الجليل. فأصبح محور عنايته الخاصة وكان والده في ذلك التاريخ مرجعاً لعدد كبير من شيعة آل محمد عليهم السلام في البلاد العربية و الفارسية ، وكان رجلاً بعيد النظر مدركاً للعواقب ، فعقد العزم على تعليم و تربية هذا الولد بشكل خاص ، فهو طفل اليوم ورجل الغد ، فجعله تحت رعايته الخاصة ، فما إن بلغ الرابعة من عمره حتى كان قد تعلم الأصول و الفروع الأساسية للدين الإسلامي الشيعي الإثني عشرية و أسس الأخلاق المحمدية المقدسة ، وولاية ومحبة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين ، بأسلوب مميز من أمه العارفة ، فحواها بأسلوب التلقين في جسمه الشريف ، و أخذت تجري في وجوده الشريف كجريان الدم في الشرايين و الأوردة فتقلقلت روحه السامية و نالت التربية التكوينية في عالم الأنوار مستجيباً لنداء : ( ألست بربكم ) قائلاً : ( بلى ) فتعلم علمه بشكل مجمل. وفي الربيع الخامس من عمره عين له والده الجليل أحد تلامذته المميزين في حوزته العملية وهو الشيخ ملا علي خسروشاهي ( فخر الإسلام ) رحمة الله عليه ، وقد كان عالماً عاملاً وزاهداً عابداً ، ومسلماً شيعياً خالصاً ، ليعلم قرة عينه قراءة وتجويد القرآن الكريم ويدرسه مقدمات العلوم الدينية و المعارف الإسلامية فانتهى ذلك الطفل الذكي من قراءة كلام الله المجيد في عدة أشهر و أقل من سنة ثم أتم تعلم المقدمات الأساسية للعلوم من علم الصرف و النحو و الأدب و العربي و الفارسي لدى ذلك الأستاذ نفسه ، وبعد ذلك أرسله والده الجليل الماجد إلى ( النجف الأشرف ) لإتمام المرحلة الثانية من دراسة المقدمات في علوم المعاني و البيان و البديع و المنطق و الأصول و غيرها و التي هي أساس علوم الفقاهة و الاجتهاد ، وليكون إلى جوار أخيه الجليل آية الله الحاج ميرزا علي آقا الإحقاقي الحائري أعلى الله مقامه ، و الذي كان مشغول في إتمام آخر مراحل تحصيله للعلوم العقلية و النقلية وخصوصاً الفقاهة و الاجتهاد في الحوزة العلمية المقدسة لتلك البلدة الطيبة على يد العلماء الأعلام و المراجع و المجتهدين الكرام . وما إن باشر الدراسة هناك لدى أخيه الجليل وسائر الأساتذة الأجلاء في تلك المدينة الفاضلة ، و التي هي مهد العلم و محل تأسيس أول جامعة كبيرة من حيث المحتوى لباب علم النبي ومخزن الأسرار الأزلية مولى الموالي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب u حتى أتم المرحلة الثانية من مقامات العلوم بامتياز ظاهر وفي أقصر مدة ممكنة ، ثم انتقل إلى مدينة ( كربلاء المقدسة ) لإتمام مرحلة السطوح في علم الفقه و الأصول و حكمة آل الرسول صلوات الله عليهم أجمعين ، ملتحقاً بحلقة درس والده الماجد. وبع فترة وجيزة من شروعه بالدرس هناك نال إعجاب واعتماد والده الجليل الذي كان أستاذاً له في بعض الدروس ، وكذلك فضلاء تلك الحوزة النورانية كافة ، لما أعطي من نبوغ فطري في درك المسائل واستنباط المعاني ولما اشتهر به من قدرة بيانية ساحرة حتى أنه كان ينوب عن والده الجليل عندما يغيب عن مجلس الدرس لعلل خاصة ، فيتحمل مسؤولية التدريس الخطيرة ، ويؤدي دوره بأفضل و أكمل وجه ممكن. وهكذا وبعد إتمامه لمرحلة السطوح و البحث الخارج في كربلاء المقدسة هاجر إلى النجف الأشرف ثانية ، ليشترك في حلقات درس البحث الخارج للأساتذة و المراجع الأجلاء كآية الله الشيخ فتح الله الغزويني المشهور بـ ( الشيخ الأصفهاني ) و آية الله النائيني ، وآية الله السيد مصطفى الكاشاني وغيرهم أعلى الله مقامهم ، وهذه المرحلة في الواقع ، هي آخر المراحل الدراسية لنيل درجة الاجتهاد و الاستنباط المنيعة . وبعد فترة ليست بالطويلة حصل على إجازات الرواية و الاجتهاد المفصلة من أساتذته وكذلك من والده الجليل ومن أخيه المعظم ، وكل ذلك يكشف عن مدى استعداده غير العادي في إحراز مقام الفقاهة و الزعامة و المرجعية في تمام أبعادها ، فقد أتم كل هذه المراحل الطولية و المعقدة و الصعبة و المستصعبة ( كما لا يخفى على أهلها ) وهو في عنفوان شبابه في الثاني و العشرين من عمره الشريف ، بموفقية تامة ، و الحمد لله رب العالمين .
:المصلح الكبير و المعلم القدير من خصائص هذا العالم الجليل البارزة و المحيرة أنه ما وضع قدمه في بلاد خربة حتى عمرت هذه البلاد بأخلاقه الفاضلة وملكاته النفسية بأسرع وقت حدثت ثورة أخلاقية و دينية في أبعادها الإيجابية ، حيث يقوم بترميم كل النواقص العقائدية في تلك المنطقة و القضاء على الخلافات الطائفية و المفاسد الأخلاقية ، و ما هنالك من ضعف إيماني ووساوس شيطانية وذلك بدعوته بالحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي أحسن مبدلاً كل ذلك إلى ملكات نفسية وفضائل أخلاقية و أخوة إسلامية و أعمال صالحة.
: الزهد و النزاهة و إن من خصائص هذا العالم الجليل الزهد و التقوى و البساطة و التواضع في حياته ، فهو منذ أيام طفولته وفي جميع مراحل حياته تارك للدنيا و زخارفها و لذائذها الظاهرية ، فيقضي أوقاته الشريفة إما بالدرس و التدريس أو بالوعظ و التبليغ أو بخدمة الضعفاء والفقراء أو بالعبادة و الذكر و الدعاء و الصلاة و المناجاة مع محبوبه الحقيقي جل و علا ، و حتى عندما كان يسافر في أيام الربيع أو الصيف إلى الرياض النظرة و المناطق الجميلة في جبال آذربيجان فإنما كان سفره للتبليغ و لخدمة المؤمنين استجابة لدعوة وإصرار أهالي تلك المناطق.
: مرجعيته بعد أن حلت الفاجعة العظمى و الخسارة الكبرى بوفاة المولى الميرزا علي قدس سره ، في اليوم السابع و العشرين من شهر رمضان المبارك سنة ( 1386 هـ ) بالسكتة القلبية في الحسينية العباسية في الكويت ، وبعد انتهاء مراسيم إقامة صلاة الميت بإمامة المولى الميرزا حسن الحائري قدس سره ودفن ذلك العالم الجليل في مقبرة في حسينية الحائري الشريفة المجاورة للحائر و الحرم الحسيني أرواحنا فداه ، وبعد إقامة مجالس العزاء في تلك البلد الطيبة ، عاد ذلك الجمع الغفير من الناس إلى الكويت لإقامة مجالس العزاء هناك، فأقيمت على مدى أيام طويلة في الحسينية الجعفرية ، وفي اليوم الأخير لتلك المراسم اعتلى المولى الإمام المصلح قدس سره المنبر ليبلغ الحاضرين و المشاركين الشكر و الامتنان على ما كان من مراسم تاريخية لا تنسى .
وبعد ما حمد الله و الصلاة على محمد و آل محمد و الدعاء بالرحمة و المغفرة لأخيه الجليل وشكر الحاضرين و المشاركين في المراسم ، وخصوصاً العلماء و السادات و أهل الفضل منهم ، توجه إلى الناس قائلا :إن مما يؤسف له رحيل مرجعكم الجليل الذي قضى سنوات طويلة في خدمة أهل بيت العصمة عليهم السلام إلى جنات الخلود في جوار مواليه العظام ، و أنتم بحاجة الآن لانتخاب مرجع جديد . إذ لا يجوز شرعاً بقاؤكم من دون تقليد. ثم قال : أما أنا فلي مشاغلي الدينية و الاجتماعية الكثيرة في إيران، بالإضافة إلى ما أصابني من تعب و إرهاق ، فلا أفكر بالمرجعية بأي وجه من الوجوه ، و أرجو أن تعفوني من هذا التكليف الشاق ، وابحثوا لكم عن مرجع آخر و الحمد لله فإن العلماء و الأعلام و الفقهاء الأجلاء كثيرون وفي كل مكان. عندها انهملت دموع المحبة من عيني ذلك العالم الجليل بعدما قالوا له : يا مولانا الجليل : إننا مع احترامنا للفقهاء الذين ذكرتهم ، فنحن لا نعرف أحداً سواك ولن نقلد أي مرجع غيرك ، وهذا كانوا يهتفون بلسان واحد وبقلوب قلقة و عيون باكية و أيدٍ ملؤها الأمل و الرجاء.
: مؤلفاته
أحكــام الشيعـــة.
رسالــة الإيمـــان.
رسالـة الإنسانيــة.
خير المنهج في مناسك الحج.
أساس السعادة ( باللغة الفارسية ).
منهــج الرشــد.
منظــرة الدقائــق.
الدين بين السائل و المجيب.
أصــول الشيعــة.
رسالة تعيين القبلة.
وهذا ما يسعنا ذكره في هذا المختصر.
ولهذا العالم الجليل مؤسسات كثيرة و أعمال خيرية منها :
تعمير و افتتاح المسجد العظيم ( حجة الإسلام ) في تبريز.
بناء وترميم مدرسة ( صاحب الأمر عليه السلام في تبريز ).
حسينية الإمام السجاد عليه السلام في طهران .
الحسينية السجادية الكويتية في مشهد.
الحسينية الفاطمية الأحسائية في دمشق السيدة زينب عليها السلام.
مدرسة آل محمد صلى الله عليه وآله في باكستان.
دار العلوم الجعفرية في باكستان.
جامعة قائم آل محمد عجل الله فرجه في باكستان.
مدرسة شريكة الحسين عليه السلام في الهند.
ضريح من الذهب و الفضة على قبر الصحابي الجليل الشهيد حجر بن عدي رضوان الله عليه في دمشق.
جامع الإمام الصادق عليه السلام في بيروت لبنان.
مسجد ومدرسة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب u في أمريكا.
: وإن لهذا العالم بعض الأذكار و الأوراد الخاصة منها 1- (110) مرات { لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم}. 2- (110) مرات { ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله }. 3- (40) { سبحان الله ، و الحمد الله ، ولا إله إلا الله ، و الله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم }. 4- (110) مرات { اللهم صلي على محمد وآل محمد }. 5- (110) مرات { توكلت على الله }.
: وفاته رحيل المرجع الديني الكبير المقدس الإمام المصلح العبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ( قدس سره الشريف ) . فجع الإسلام و المسلمون في شهر الله شهر رمضان المبارك في اليوم السادس عشر من عام 1421 هـ برحيل المرجع الكبير المقدس الإمام المصلح العبد الصالح ميرزا حسن الحائري الإحقاقي قدس سره الشريف وقد قال تعالى في محكم كتابه الكريم :{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ ِ}سورة الرعد آية41 قال الإمام الصادق u}ننقصها بذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها{ ، حيث شيع ودفن في جنة الزهراء عليها السلام في طهران ، وكان على رأس المشيعين له قدس سره ابنه خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المولى ميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي ( قدس سره ).