علم اللاهوت كما يسميه علماء الغرب ، وعلم التوحيد كما اصطلح عليه المتكلمون المسلمون ، يحوي نظرية التوحيد الإسلامية نحو الخالق - سبحانه
هذه النظرية بمكان لا يستغني عنها أي متكلم أو فيلسوف أو مفسر للقرآن والسنة . لكونها الإطار الذي تدور فيه ابحاثه العقائدية
علم التوحيد وظيفته صياغة أيدلوجيا توحيديّة سلمية . وما تناحر المتكلمون والفلاسفة إلا من اعتقادهم كون أيدلوجيا التوحيد عند غيرهم مخدوشة ، وبتعبير آخر مخالفة للقرآن والسنة ، وإذا أخذنا مثالاً ، فلن نجد أروع من فتنة خلق القرآن حيث بلغت القمة في التضارب الأيديولوجي الإسلامي .
ومن هنا جهد نفرٌ من فلاسفة المشرق والمغرب للهروب من هذه المحنة بالتوفيق بين الفلسفة والشريعة بطريقة إيجاد المقاربات بين النص والنظرية كما فعل ابن رشد . وحاول آخر للقضاء على هذه المصادمات – التي ليست حلبتها كتب الفلسفة والحكمة فقط ، بل حتى الواقع الاجتماعي - كمحنة حرق كتب ابن رشد ومحنة خلق القرآن عن طريق تذويب الفلسفات الآنفة عليه على هيئة العصير ( الكوكتيل ) وليسع لى هيئة عصير الطبقات. ١
.واعتبروا تلامذته هذا الإنجاز إبداعاً ليس له مثيل ، لا من بعده ولا من قبله
وفي الواقع هو إنجاز عظيم بالنسبة لمن سبقه ولكن ليس كلهم ، فهناك من أصحاب الأئمة مَن فاقه في صياغة أيديولوجيا في التوحيد متعالية على حكمته المتعالية . كأمثال جابر بن يزيد الجعفي وهشام اللذين كانا من أصحاب سر الإمام الصادق (ع) . ومن عجيب المفارقات أن يتهم كجابر بن يزيد الجعفي بالغلو في حق أهل البيت - عليهم السلام .
ونحن هنا إذ نتكلم عن نظرية التوحيد لا نتكلم عن شيء نمر عليه مرور الكرام ، إنما نتكلم عن أساس الدين ، فبدون التوحيد تكون جميع الفروع الأخرى لاغية . والتوحيد في أبرز تعاريفه هو التفريد والتنزيه [٢] -أي تنزيه المولى –جل علاه – عن كل ما هو مخلوق . فما به الاشتراك مخلوق ، وما به الامتياز مخلوق ، وكل ما هو مركب عقلي ، كالمركب من الجنس والفصل ، وكل ما هو مركب خارجي كالجسم من أعضائه .
فالموحد الحقيقي منا لا يتصور الله ، فكل من تصوره حتماً توحيده مخدوش ، بناءً على أن الخلق غير المخلوق . والموحد موحدٌ في جميع شؤوناته –أي بعقله وذهنه ولفظه وحتى حركاته إن كان نوع الحركات يشير إلى الشرك . إذ الجريرة الكبرى التي لا تغتفر هي الوقوع في الشرك عن عمد، وما خلق الله الخلق إلا لتوحيده ، فبالشرك يحدث الانحراف الأكبر عن الغاية العليا من خَلق الخلق
ومن هنا جاء الإسلام وهو آخر الأديان ليوصل رسالات الأنبياء القمة في مسألة التوحيد . وقد بدأت على يد رسولا لأمة محمد صلى الله عليه وآله . وأكملها أهل البيت عليهم السلام . ولكن لما امتزج المجتمع العربي بالمجتمعات المفتوحة عسكرياً . امتزجت اللغة العربية باللغات الأخرى، ففسد اللسان العربي ، فقام جملة من علماء العربية بوضع القوانين والمعاجم لصيانة اللغة العربية من الاضمحلال ومع هذا الامتزاج لم تفسد اللغة النقية فقط ، بل حتى العقيدة الإسلامية النقية حيث تُرجمت آلاف الكتب الفلسفية من شتى الفلسفات دون قيد أو شرط وعلى أيدٍ كثيرة غير أمينة وجاهلة بالعقيدة أحياناً أخرى .٣
والفلاسفة المسلمون استقبلوا هذه الكتب وكأنها الغيث ونسوا أن عندهم أعظم كتاب ليستلهموا منه أيديولوجياتهم في التوحيد . ولكن الخطر ليس هنا فحسب بل يتجلى في محاكمتهم الكتاب والسنة من خلال ضوابط تلك الفلسفات ، وهذا ما ولدَّ هرماً من النظريات المشوبة بالشرك ، كنظرية .وحدة الوجود وغيرها
وكان من لطف الله أن بعث مَن يحفظ اللغة العربية من الاضمحلال والكساد ، كان أيضاً من لطفه أن بعث من يحفظ العقيدة الإسلامية وينقيها من شوائب الشرك
وهنا إذ أكتب هذه المقالة لا أقول : أن الشيخ الأحسائي وحده مَن اجتهد بتنقية العقيدة ، ففي هذا ظلم للعلماء الآخرين ولكن أقول : أن الشيخ صاغ نظرية في التوحيد من القرآن والسنة بحيث تمثل حكمةً من انضج الفلسفات في التوحيد على الإطلاق . فالحق والحق يقال إنني ما قرأت – ولا أدعى العلم المطلق – فلسفة متماسكة في التوحيد كفلسفة الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي .
إذاً لب حركة الشيخ العلمية هو تطبيق تعريف التوحيد وإظهار مقامات أهل البيت عليهم السلام التي يعتقد أن وقت كشف أسرارها هو زمانه [٤] بعد أن ظلت مستورة قروناً متطاولة . :توحيد الذات
الله موجودٌ ، قضية حملية بسيطة، تستمد أدلتها من جميع أجزاء الوجود الموجود ، تعقبها قضية حملية أخرى ، تقول : هذا الموجود واحد لا أثنينية فيه، صمديٌ لا تجويف في ذاته .فهو لم يلد ولم يُولد ، جميع الموجودات قائمة بأمره حاضرةٌ في ملكه حضور تقوّم بفعله ومدده ، لا اتصال بينه وبين خلقه فيستقلوا عن سلطانه ، ولا اتصال حسي أو معنوي أو بأي نحوٍ من الأنحاء حتى لا يكون جسماً أو محدوداً ثم يدخل في إطار الإمكان ، لكنه واجب الوجود ، وجب وجوده في حكمته ضرورة على جميع الأصعدة .٥
خصائص واجب الوجود ٦
أولاً: ( الجوهر منفيٌ عنه سبحانه ) ، بجميع أنواعه ،سواء أكان جوهراً خطاً أو سطحاً . لأن الجوهر محتاج إلى العرض في ظهوره والنوع الآخر له عرض وعمق وطول وهذه صفات الإمكان متنزه عنها الأزل .
ثانياً: ( إنه سبحانه ليس عرضاً ) ، أكان هذا العرض لوناً أو خشباً أو جداراً أو طعماً أو سمنة أو ضعفاً أو طولاً أو قصراً أو رائحة ، أو سائلاً أو صلباً أو غازياً أو صحة أو مرضاً لكون هذه الأعراض محتاجة إلى الجوهر في تقومها أولاً ولكونها صفات مخلوقة ثانياً.
ثالثاً : ( إنه ليس جسماً ) لأن الجسم لابدّ له من أمور ( الأول :الزمان ،فكل جسم له تأريخ ولادة وصنع وكذلك تأريخ نهاية وفناء ، ألا ترى أنهم يؤرخون زمن الصلاحية، ويضعون العمرالافتراضي ، وهذا لا يناسب واجب الوجود لكونه أزلياً أبديا. ( الثاني : المكان ، فلا جسم بدون مكان ، ومن استطاع ذلك فليتصور أو يوجد ذلك على أرض الواقع الملموس. ( الثالث : اللون ، لكون اللون مظهرُ الملون ،فلا يمكن رؤية مَن لا لون له (الرابع : التركيب ، فالجسم مركب من أجزائه وهو محتاج إليها ، ولا يوجد بسيط سوى واجب الوجود ، وإن قيل العقل البسيط ، قلنا بسيط بالنسبة لما تحته مركب لما فوقه ، وهو خاضع لقانون النسبية .
رابعاً : ( إنه لا يطرأ عليه التغير ) فالتغيير إما من ذاته فيكون هناك أكثر من إله قديم وهذا منافٍ لحقيقة التوحيد .ومن جهة أخرى الشيء لا يؤثر في نفسه على نحوٍ يوجدها من العدم مثلاً أو يرسلها من الوجود إلى العدم . وإما أن يكون هذا التغير بسبب خارجي عن ذات الواجب ، فيكون المؤثر حقيقة هو الواجب والمتأثر هو الممكن أو يتساووا في الرتبة الإمكانية لا الأزلية لكون المتغير حادثاً قطعاً .
خامساً : ( أنه ليس في جهة ) فالواقع في جهة خلت منه الجهة الأخرى ، ومَن كان في جهة كان محدوداً بها ، والمحدود مخلوق وليس قديماً.
سادساً : ( إنه ليس في شيء ) فيكون مظروفاً بذلك الشيء ، محدوداً به ، حاملاً له ، فيكون أقوى منه ، وهذا منافٍ للجبارية صفة الواجب. سابعاً : (إنه لا من شيء ) لقوله تعالى (( لم يلد ولم يولد )) ولكون الولادة تغيراً وقد نفينا التغير قبلاً . ثامناً : ( إنه لا ينسب إليه شيء ) مطلقاً أية نسبة كانت ، لكون النسبة اتصال واقتران بين المنتسبين . فهذا الاقتران إما في الحدوث ، فيلزم انقلاب الواجب ممكناً أو العكس . وإما في القدم فيلزم تعدد القدماء وهذا باطل بأدلة التوحيد .
توحيد الصفات :
مرادنا منها الصفات الذاتية ، وهي الصفات الكمالية التي لايمكن سلبها أو وصفها بالضد . وهي عين الذات بلا مغايرة لافي المفهوم ولا في الواقع ولافي الاعتبار وهي عين الذات لا زائدة عليها ولا مركبة منها ولا هي مجموعها والذات من حيث هي بسيطة من جميع الوجوه فليس فيها جهة وجهة ، واعتبار واعتبار . ومعنى توحيد الصفات ألا يشارك الله أحد في صفاته لا في ( العلم ) ولا في ( القدرة ) ولا في ( القدم ) ولا في ( السمع والبصر ) ولافي ( الحياة ) وهكذا [٧].
والصفات الذاتية في الحقيقة ليس لها عدد محدد ، فكل كمال يجب أن تنسبه إلى الذات المقدسة ولكن بشكل يناسب الذات - أي لا يمكن سلبها أو وصفها بالضد- وكل نقص يجب نفيه وسلبه عن الذات الشريفة.
ومن هناك نستطيع القول : إن الله كامل الكمال المطلق ، فأراد كما في الحديث القدسي تعريف نفسه لخلقه ، فخلق الخلق لمعرفته ، ولكن لما كانت الممكنات لاتدرك فوق مبدئها . ولا يمكنها تصور الواجب بحال كما قال (ع) :(( كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود عليكم )) [٨] فالمخلوق ذهنه ( كتلفون العملة ) لا يقبل من العملات إلا ما صنع لأجل استقباله، كذلك عقل الإنسان لا يمكنه إدراك إلا الممكن مثله لعلاقة السنخية بينهما .
كان لزاماً في حكمة واجب الوجود أن يعرّف خلقه صفاته الكمالية أو كماله المطلق ، فخاطبهم بما يفهمون ويدركون من الكمالات . فلما كان العلم كمالاً عند الخلق عرف نفسه بأنه عالم ، ولما كانت القدرة كمالاً قال أنا قادرٌ وهكذا ….9
لا يعرف الله من طريق ذاته وذلك للأمور التالية: ١٠
أولاً: اشتراط أن يكون بين المدرِك والمدرَك وجود السنخية ، فبدونها تكون قناة الإدراك معدومة .ثانياً: لو أدرك الممكن واجب الوجود لأنقلب الممكن واجباً ،الواجب ممكناً .ثالثاً: لأن الشيء لايدرك فوق مبدئه
نعم يعرف الله مـن خلال آياته وآثاره ، فتجلى لها بها وبها أقتنع عنها .
وهذه الآثار وهذه الآيات قد تكون عظيمة كأهل البيت عليهم السلام ، فهم أعظم آيات الله سبحانه ، وقد تكون آيات أخرى كالنملة وحبات الرمل وقطرات الماء.
وهذه الآيات موجودة في عوالم الإمكان والتكوين .
توحيد الأفعال:11
إن الفاعل الحقيقي للخلق والرزق والإحـياء والإماتـة ، هو الله سبــحانه تعالى . وهذا عمق توحيد الأفعال ، فلو قلـنا أنبـت الربـيع الزرع ، فذلكعـلى نحو المجاز العقلي والفاعل الحقيقي ، الله - سبحانه -.
ولكن عالم الوجود قائم على علل ومعلولات تقع في سلسلة طويلة أولها ما يسمى علة العلل وهي مشيئة الله المخلوقة الحادثة والتي عن طريقها خلق الله الخلق ، كما قال الصادق (ع) (( خلق الله الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها )) [١٢]وأما آخرها فلا ينتهي لأن نعمة الله لا تحصى .
وهذه العلل والوسائل قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة أو متوسطة في الوجود. فالملائكة وسيلة تخلق بإذن الله وبعض الأنبياء يخلق بإذن الله ،فنلاحظ إنه السبب سبب مهما كان ليس محصوراً على أحد ، مادام مسخراً لله سبحانه، فالفاعل الحقيقي كما قلنا هو الله سبحانه .
والسر في ذلك إن الله - جل وعلا – منزه عن مباشرة الممكنات على أي نحو من أنحاء الاتصال . فالأزل لا ينزل إلى الإمكان بحال ، وإلا انقلبت الحقائق والرتب : فمن هنا كان لابدّ من مباشر حسي أومعنوي في صنع الممكن بإذن الله سبحانه . أما الله سبحانه كيف يمد الخلق والملائكة ، فبلا كيف وإلاّ لأدرك واجب الوجود . وهذه النقطة ما يعبر عنه المتكلمون (بمقام الجمود) أي مقام لا كلام .لأن الله هو غيب الغيوب ومجهول النعت وعين الكافور .
قضية التعلق : ١٣
فعل الله سبحان واحد في جميع الحالات ، لأنه مشيئته ولكن لما تعلقتمشيئته التكوينية بالخلق سمي خالق ، ولما تعلقت مشيئته التكوينية بالإماتة سمي مميت . بالضبط كما الزجاج الملون الذي سقطت عليه أشعة الشمس البيضاء ، فصارت خضراء من الزجاج الأخضر ، وصارت حمراء من الزجاج الأحمر ، وصارت صفراء من الزجاج الأصفر .
التوحيد في الحقيقة وتوحيد المجاز :١٤
توحيد الله - جل وعلا – أي أن تصفه بما هو عليه في الواقع ، ومَن رأى واجب الوجود حتى يصفه بما هو هو، أو بما هو في الواقع غيره سبحانه وتعالى ، لذلك قال : (( شهد الله أنه لا إله إلا هو )) [١٥] فهو وحده الذي يستطيع وصف نفسه لذلك قال الرضا عليه السلام لسلمان المروزي (( فليس لك أن تسميه بما لم يسمي به نفسه …)) [١٦] فوصول المخلوق إلى رتبة الذات محال فالطريق مسدود والطلب مردود .
أما الموحد الحقيقي من الخلق فهو رسول الله وأهل البيت عليهم السلام الخلق تابعون لهم في ذلك ، لذلك قال الهادي (ع) في الزيارة الجامعة : (( ومَن وحّده قبل عنكم )) [١٧]وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي : (( ياعلي ماعرف الله إلاّ أنا وأنت )) [١٨] ولو أردنا ضرب مثالاً على هذه القضية ، فمثال المرآة أبلغ مثال ، فلو وضعنا مرآة أمام شمعة مباشرة فانطبعت صورة الشمعة في المرآة، ثم وضعنا مرآة أخرى أمام المرآة الأولى ولكن منخفضة قليلاً عنها ، فانطبع فيها ما كان منطبعاً في الأولى ثم وضعنا ثالثة منخفضة قليلاً أمام الثانية فانطبع فيها ما كان في الثانية ثم رابعة بنفس الشكل وهكذا . فالمرآة الأولى هي مَن عكست صورة الشمعة حقيقة والباقيات كن بالمجاز والتبع حسب الرتبة والقرب منها . فتوحيد محمد وآل محمد توحيد المرآة الأولى فلهم التوحيد الحقيقي والخلق بعدهم توحيده توحيد المجاز دون الحقيقة وهذا معنى كلامهم عليهم السلام : ((فسبحنا فسبحت الملائكة)) ١٩ .
توحيد المراتب ومراتب التوحيد
مراتب الوجود الكوني والمعنوي لا تحصى ، والإنسان يمكنه تخطي وطيكل المراتب . وله في كل مرتبة رؤية خاصة في التوحيد ، وحالة خاصة كموحد ، فكلما علارتبة سمي توحيده وكلما نزل ضعف توحيده – أي بالنسبة إلى الرتبة الأعلى ، فهو فيالرتبة الأعلى تنخفض عنده حجم الآيات والدلائل التي تشير إلى المحبوب حتى يصل آخرالرتب فلا يحتاج إلى إشارة أو دليل بل يوحد الله ببصيرته دون حاجة إلى الدلائل والآيات . ويمكن حصر كل تلك الرتب في أربع
محطات للتوحيد
(المحطةالأولى: توحيد العبادة وهو غير ماتكلمنا عنه آنفاً ، ويسمى بتوحيد عالم الأجسام ،وسمي بذلك لظهور اسم المعبود في المقام وهو من ناحية أخرى فيه جميع مراتب التوحيدالأخرى ولكن ظهور العبادة في هذا العالم أشد تكثيفاً من غيرها فلذلك سمي توحيدالعبادة . وهذا التوحيد مستوى قوته وضعفه منوط بالعبادة نفسها فإن كانتقوية كان التوحيد أقوى وإن كانت ضعيفة كان التوحيد أضعف .
(المحطة الثانية : توحيد الذات وهو أيضاً يختلف عن ما ذكرناه آنفاً بحسب اعتبار الموضوع الحَكَمي ،فالأول كان موضوعه متعلق التوحيد ، أي التوحيد في رتبة الذات أو العبادة أو الصفاتأو الأفعال ، أما هنا ، فالموضوع مراتب الخلق في التوحيد . و توحيد الذاتموضوعنا هنا هو ظهور الله سبحانه في عالم النفوس ، أي توحيد الله سبحانه في رتبةعالم النفوس ، سمي بتوحيد الذات لأن الخلق يوحدونه هنا بذواتهم أي بنفوسهم يعنى لاحظوا توحيد الله دون معلم .وإلا جميع مراتب التوحيد هنا موجودة محفوظة دون فقدانومن ميزان هذا العالم أنه لاتقليد فيه لأحد على العكس من عالم الأجسام .
(المحطة الثالثة : التوحيد الشهودي ، ورتبته في عالم العقول ، أي ظهورالله في عالم العقول ، يعني توحيده في عالم العقول . وهذا العالم يسمىتوحيده التوحيد الحضوري .لأنه متجرد من كل الشوائب والكثرة والتعدد فليس فيه سوىالوحدة .لأن الكثرة ناشئة من النفس الأمارة بالسوءِ .
(المحطة الرابعة : توحيد عالم الفؤاد ، أي ظهور الله في عالم الفؤاد ، يعني توحيد الله في عالم الفؤاد، ويسمى بالتوحيد الحقيقي وذلك لأنه أول رتبة في التوحيد وأعلاها ، وأنقاها ، بل هيالمحل الحقيقي للتوحيد …لأنه لايرى في هذه الرتبة سوى جمال المحبوب دون أي إشارة أورتبة أو دليل أو تكثر .
التوحيد في السلسلتين :٢٠ أما في الطولي : فهو مرتب حسب المراتب ، لايمكن لداني أن يصعد إلى مرتبة العالي في أي حال كان أي أنه لا يمكن لمؤمني الإنس تمني مرتبة الأنبياء ولا الأنبياء رتبة أهل البيت عليهم السلام . أما في العرضية : فهو متفاوت حسب إيمان وعقيدة الفرد المؤمن ، وهذه السلسلة مراتبها لا تحصى ولكن مجملة في عشر رتب للإيمان .
ميزان نظرية الشيخ في التوحيد : 1. الكتاب . 2.السنة . 3.العقل . 4. الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم ع .
وقد فصلنا ذلك في دراستنا عن مدرسة الشيخ أحمد الفلسفية ، فراجع .
نموذج تطبيقي لنظرية الشيخ في التوحيد جاء في شرح المشاعر طبعة كرمان ص١٣٢ قال : وإلى هذا يرجع ما قيل أن الحمل يقتضي الاتحاد في الخارج والمغايرة في الذهن فلو لم يكن الوجود شيئاً غير الماهية لم تكن جهة الاتحاد مغايرة لجهة المغايرة واللازم باطل كما مر والملزوم مثله بيان الملازمة أن صحة الحمل مبناه على وحدة ومغايرة ما إذ لو كانه ناك وحدة محضة لم يكن حمل ولو كان ((كانت خ ل )) كثرة محضة لم يكن حمل فلو كان الوجود أمراً انتزاعياً تكون وحدته وتعدده تابعين لوحدة ما أضيف إليه وتعدده من المعاني والماهيات وإذا كان كذلك لم يتحقق حمل متعارف بين الأشياء سوى الحمل الذاتـي وكان الحمل منحصراً في الحمل الذاتي الذي مبناه الاتحاد بحسب المعنـى .
أقول : هذا الكلام معناه ما تقدم قبله ومتفرع عليه وتكرير له وقوله فلو لميكن الوجود شيئاً غير الماهية لم تكن جهة الاتحاد مغايرة لجهة المغايرة وقد قلنا لو قال قائل أنه لو لم يكن الوجود موجوداً وإنما ماهيات الأشياء وجدت بنفسها وهي حقيقة واحدة قد وضع الاسم لها وماهيات الأشياء مجهولة الأسماء ، شرحها أن يقال ماهية زيد وماهية الفرس إلى آخر ما احتج به في الوجود حصل الاتحاد بين الماهية التـي هي موضوع والتـي هي محمول والمغايرة بينهما في الذهن بما هو شرح أساميها بما تضاف إليه كما قيل في الوجود فلا يلزم شيء عما ذكر على تقدير عدم الوجود فتدبر ))
مقامات أهل البيت والأنبياء معتمدة على التوحيد السليم :
الله سبحانه منزه عن جميع صفات الإمكان ومباشرته وهذا مما لاشك فيهفي علم الكلام الشيعي ، فإذا كان كذلك فحتماً لن ينزل الله سبحانه إلى هذه الدنياليبلغ دينه لخلقه بل سيبعث أنبياء ورسل وأوصياء لهم .. لأنه كما قلنا منزه عنمباشرة الخلق .
وهذا ليس فقط في عالم الدنيا فقط ، بل في كل العوالم المعنوية والحسية والفرق أن الأنبياء رسالتهم حدودها عالم الدنيا وليس كله أيضاً . والنبي محمد صلى الله عليه وآله رسالته لكل الوجود بجميع مراتبه في كل زمان ومكانلذلك له مقامات بعدد مراتب الوجود هو أوصياؤه من علي إلى المنتظر عليهم السلام جمعياً . كما قال : (( كنت نبياً وآدم بين الماء والطين ))[٢١] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ا[١]-الكوكتيل :مزيج من الفواكه بحيث لا تميز فاكهة على أخرى . ا-الطبقات : عصير فواكه ولكن لكل فاكهة طبقة لوحدها بحيث تنزل القشة إلى الطبقة التي تريد. ا[٢] أبو خمسين ، الشيخ محمد حسين ، مفاتيح الأنوار ، ط١ ، ١٩٥٦م ، مطبعة الغري ، النجف الأشرف ،ص٥ . ا[٣] راجع مجلة الفيصل ، ملف العدد عن الترجمة ، عدد ( ٢٣٩ ) ١٩٩٦م . ا[٤] الاسكوئي ، آية الله ميرزا موسى ، إحقاق الحق ، ،ط٢ ، ١٩٦٥م ، مطبعة النعمان ، النجف الأشرف ، ص٣٦٥ . ا[٥] مرجع سبق ذكره ، مفاتيح الأنوار ،ص١٥ . ا[٦] آلعيثان،الشيخ محمد بن الشيخ عبدالله، هدية العباد إلى طريق الرشاد،ط١،١٩٥٠م ،المطبعة الحيدرية ،النجف الأشرف ،ص٢٢-٢٣ ا[٧] مرجع سبق ذكره ،مفاتيح الأنوار ، ص١٧ . ا[٨] الداماد ، السيد محمد الحسيني ، القبسات ، ١٣٧٤هـ ، مؤسسة انتشارات ، طهران ، ص٣٤٢. ا[٩] الرشتي ، السيد كاظم ، أصول العقائد ، ط١ ، ( د،ت،ن ) ،مكتبة الميرزا الحائري العامة ، كربلاء ، ص٨٩. ا[١٠] الإحقاقي ، آية الله الميرزا حسن ، أصول الشيعة ،ط٣ ،( د،ت،ن )، مكتبة الإمامالصادق العامة ، الكويت ، ص٣٠ ا[١١] مرجع سبق ذكره ،هداية العباد إلى طريق الرشاد ، ص١٢-١٣ . ا[١٢] انظر: الصدوق ، أبي جعفر محمد بن علي ، التوحيد ،ط١ ، (د،ت،ن) ،دار المعرفة ،بيروت ، ص١٤٨ . ا[١٣] الأحسائي ، أحمد بن زين الدين ،مجموعةالرسائل ، ط٢ ، (د، ت،ن) ، مطبعة السعادة ، كرمان ، ص٢٦٢ . ا[١٤]مرجع سبق ذكره ، مفاتيح الأنوار ، ص ٢٧ –٢٨ . ا[١٥] سورة ال عمران ، الآية :١٨ . ا[١٦] الصدوق ، أبي جعفر محمد بن علي ، التوحيد ،ط١ ، (د،ت،ن) ،دار المعرفة ،بيروت ، ص٤٥١. ا[١٧] الصدوق ، أبي جعفرمحمد بن علي ، عيون أخبار الرضا ،ط١ ، ١٤٠٤هـ ،الأعلمي ،بيروت ،ص٣٠٨ . ا[١٨] الغروي ،السيد علي ،تأويل الآيات الظاهرة ،ط١ ،١٤٠٩هـ،النشر الأسلامي ،قم ،ص١٤٥ . ا[١٩] الأحسائي، محمد بنعلي المعروف بابن أبي جمهور ،عوالي اللئالى ،ط١، ١٤٠٥هـ، مطبعة سيد الشهداء، قم،ج٤،ص١٢٢. ا[٢٠] مرجع سبق ذكره ، مفاتيح الأنوار ،ص٢٧ . ا[٢١] الأحسائي، محمد بن علي المعروف بابن أبي جمهور،عوالي اللئالى ،ط١، ١٤٠٥هـ، مطبعة سيد الشهداء، قم،ج٤، ص١٢١.
الكاتب: فضيلة الشيخ سعيد بن محمد القريشي حفظه الله تعالى