تعد مسألة علم الامام أحد أعقد المسائل التي طرحت في الفكر الشيعي ويقال أنه جاءت فيه أكثر من ثلاثة آلاف رواية ونتيجة لتعارضها الشديد فقد وقع البعض في زلات كبيرة بالنسبة للمعصوم حتى قال قوم بأن الإمام لا يعرف مقدار الكر بل يخمنه تخمينا و قال آخر بأن سبب غيبة المهدي عليه السلام إنما هو لأجل ان يتعلم من الأنظمة التي تمر بالبشرية ولسنا هنا بصدد نقل الأقوال وردها ولكن ما استقر عليه أكثر المتأخرين ان الإمام لو شاء ان يعلم يعلم فهو عالم بالقوة لا بالفعل وبغض النظر عن ملاحظات هذا الرأي نقول إن مدرسة الشيخ الأوحد الأحسائي أعلى الله مقامه لم تأخذ بطائفة من الروايات وأنكرت الأخرى كما فعل البعض بل قبلتها وذكرت ان هذه الروايات وإن كانت في بادئ الرأي متعارضة إلا أنها في الحقيقة تحكي عن مقامات مختلفة للمعصوم وكل منها يحكي جهة من الجهات ونستعرضها هنا ملخصاً
1- الروايات القائلة بعدم علم المعصوم بالغيب فهي ناظرة إلى الذات المقدسة فهي غيب الغيوب (إلهي ما عرفناك حق معرفتك) .
2- الروايات الواردة في علم المعصوم بشكل مطلق فهي ناظرة إلى عالم التكوين اي ان المعصوم عالم بما كان وما يكون وما سيكون إلى يوم القيامة لأنهم عليهم السلام هم الشهداء على الخلق وهم أعضاد الخلق كما قال صاحب الأمر عجل الله فرجه (أعضاد واشهاد ومناة واذواد) فلا يغيب عنهم شيء في السماء ولا في الأرض (ما ينقلب جناح طائر في الهواء الا وعندنا فيه علم) .
3- الروايات التي تقول إن الإمام إذا اراد أن يعلم ناظرة إلى اختلاف المتعلق باختلاف العوالم وبعبارة أكثر تبسيطا لو فرضنا أن شيئا ما لم يوجد بعد فلم يتعلق به علم المعصوم لأنه عدم ولكن لو أراد الإمام أن يعلم أَنّ هذا الشيء لو وجد كيف سيكون فإن الله يُعلمه.
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂
علم الإمام وعقيدة مدرسة الشيخ الأوحد فيه (2
ذكر البعض إشكالًا وهو أنه لو فرضنا علم المعصوم بما كان وما يكون وما سيكون فما الفرق بينهم وبين الذات الإلهية؟
والحقيقة هذا الإشكال لا محل له من الأساس فمن هو العاقل الذي يقيس المخلوق بالخالق والقديم بالحادث، إن علم الذات علم ذاتي لا يدرك ولا يحصى ولا يكيف وهو عين ذاته فكما أن الذات لا كيف ولا كم ولا زمان ولا وقت لها كذلك العلم بخلاف المعصوم فهو عبد مخلوق مملوك لله تعالى لا يقدر على شيء إلا أن يقدره الله سبحانه وقد شاء تبارك وتعالى أن يمثله الأئمة المعصومين في عوالم الوجود كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (انتجبه آمرًا وناهيًا عنه أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه) فالإمام مستمد من الله ولا يستغني عنه طرفة عين أبداً ولذلك قال الإمام (لو لم نزدد لنفدنا) إن المعصوم هو ظهور وتجلي الله تعالى فظهر بجميع الصفات الكمالية بحيث إن من عرفهم عرف الله (من عرفكم فقد عرف الله) (من رآني فقد رأى الحق).
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂
علم الإمام وعقيدة مدرسة الشيخ الأوحد فيه (3
أخي الكريم إذا قلنا أن المعصوم يعلم بكل شيء فإننا نعني أن علمه بها حضوري عياني وليس إخباراً بواسطة ملك من الملائكة ، وكلامنا هنا بالإجمال لأن تفصيل حالات المعصوم ومقاماته تستدعي بحوثاً مطولة ليس هنا محلها. بالاختصار نقول أن الإمام عليه السلام هو أول إبداع إلهي في عالم الوجود (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) وهذا النور يمثل القدرة الإلهية كما أن هذه الحقيقة هي محل مشيئة الله (بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء شئنا) فقد حوت جميع الفيوضات الربانية بقابليتها النورانية (ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن) وهو رسول الله وآله عليهم السلام. وبما أن كل شيء إنما يتكون ويخلق بمشيئة الله (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
وبما أن الإمام هو محل المشيئة وبابها فلا يخرج شيء إلا وهو عالم به وبأحواله لأن جميع مدد هذا المخلوق يأتيه بمشيئة الله عن طريق محمد واله الطاهرين عليهم السلام وعليه فلا يغيب عنهم شيء.
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂 علم الإمام وعقيدة مدرسة الشيخ الأوحد فيه(4
سأقرِّب لك أخي مسألة علم المعصوم بِكُلّ شيء بمثال حتى لا تستوحش وهو لو فرضنا أن زيداً جالس في غرفته فحدود علمه غرفته أما لو صعد إلى سطح داره فسيرى بيتهم وبيوت الجيران و إذا صعد على برج فسيكون علمه أوسع مما لو كان على سطح الدار ولو طار بالطائرة لعلم بشكل أوسع و أوسع..
المعصوم عليه السلام هو أول من خلق في الوجود فهو واقف في أعلى نقطة وجودية فهو يرى جميع الخلق دونه و إذا رآهم علمهم ومن هنا تعرف أن شهادة أهل البيت عليهم السلام يوم القيامة على أعمال الخلائق إنما هي شهادة حضورية بمعنى أنهم رَأَوْا زيداً وفلاناً وفلان رؤية عيان لذلك صعد رسول الله صلى الله عليه وآله في المعراج إلى عالم النور الذي تخلف عنه فيه جبرائيل ونجاه الحبيب بصوت المحبوب علي أمير المؤمنين
🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂🍂 علم الإمام وعقيدة مدرسة الشيخ الأوحد فيه(5 *(خاتمة البحث)*
سأجيب هنا بإجابات مختصرة حول بعض التساؤلات حول علم المعصوم
1/ اذا كان المعصوم عالما بكل شيء فما فائدة الوحي ؟ ج/ الوحي هو لمراعاة الناس فلو أجاب المعصوم بدون الوحي اتهموه بأنه يكذب في دعوى ارتباط السماء به ( وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) حيث ورد في سبب نزولها ان رسول الله يكاد يتكلم بالوحي قبل أن يوحى إليه.
2/ كيف يأكل المعصوم السم المقدم له مع علمه به ؟ ج/ امتثالاً لأمر الله وتسليماً لأمره ورضاً بقضائه.
3/ تقول بعض الروايات ان الإمام يعلم من القرآن. ج3/ مراعاة لعقول الناس وإلا في الحقيقة فالمعصوم عالم بالقرآن كله والقرآن يحوي العلم كله ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) ، (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)
4/هل يتعلم الإمام من مصحف فاطمة وصحيفة علي عليهما السلام؟ ج4/ هذه أحد مظاهر علم المعصوم يخرجها لمن يريد والا حقيقتها أمر اعلى .
س5/ لماذا تنزل الملائكة على الإمام في ليلة القدر ؟ ج5/ لكي تأخذ وظائفها من الإمام فهي تعلم به لا هو يعلم بها
س6/ هل يعلم المعصوم بالعلوم الخمسة التي يقال ان الله اختص نفسه بها (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
ج6/ نعم بعلم من الله تعالى.
س7/ ماهي أفضل الكتب في بحق علم المعصوم؟ ج7/ اصول الكافي، بصائر الدرجات، شرح الزيارة الجامعة الكبيرة للشيخ الاوحد، وشرح الخطبة الطتنجية للسيد كاظم الرشتي، واحقاق الحق للميرزا موسى الحائري الاحقاقي، والولاية لميرزا عبد الرسول الاحقاقي الحائري.
بقلم / قصبة الياقوت تدقيق إملائي بتصرف من إدارة الموقع