الحلقة الأولى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين سيما بقية الله في الارضين. قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ٥٦ من سورةالذاريات لم يخلقنا الله تبارك وتعالى عبثا خلقنا لعبادته فيلزمنا وفقا لمبدأالعبادة امتثال احكام الله سبحانه وتكاليفه لنا. كيف نمتثل أوامر الله سبحانه ونواهيه؟ الجواب التكاليف على قسمين: أ- تكاليف واضحة معلومة بالبداهة والوضوح مثل وجوب الصلاة والزكاة والخمس والحج وحرمة السفاح والخمر والكذب و إباحة شرب الماء ونحو ذلك من الاحكام الواضحة. وهذه التكاليف لوضوحها نطيع ربنا فيها ولا نقلد فيها احدا. ب- تكاليف غير واضحة لاختلاف الفقهاء فيها مثل حكم جلسة الاستراحة في الصلاة هل هي واجبة ام لا، ومثل عرق الجنب من الحرام هل هو نجس ام لا،ومثل السمك الذي يموت في الشبك داخل الماء هو هو حلال ام لا، واغلب مسائل الفقه هيمن هذا القبيل خصوصا لغير ذوي الاختصاص. وهذه التكاليف ما دامت غير واضحة فكيفنمتثلها ونطيع ربنا فيها؟ الجواب لا طريق للعلم بأغلب أحكام الله سبحانه للعوام (غير المختصين بعلوم الشريعة) فالبديل أحد خيارين:- الخيار الاول: الاحتياط وذلك بترك محتمل الحرمة وفعل محتمل الوجوب وهكذا تفاصيل كثيرة تلاحظ في الرسائل العملية. الخيار الثاني: اتباع مختص في علم الفقه وأصوله (تقليد الفقيه الجامع للشرائط)
وهذا الخيار هو الخيار الشائع لدى عموم المؤمنين ولكن نقلد من ؟ هل نتخير من بين الفقهاء واحدا نراه مناسبا؟
الجواب كلا بكل تأكيد لماذا؟
تمهيد
فتوى أي فقيه كان لا ترزقنا العلم بالحكم الشرعي من القسم الثاني بل اقصى ما تفيده الظن بالحكم الشرعي فهل هذا الظن يصح الاعتماد عليه في اتباع أحكام مولانا تبارك وتعالى؟ القاعدة القرآنية الذهبية تقول لا يصح الاعتماد على الظن بآيات عديدة من ضمنها ما يلي:
الجواب لكل قاعدة استثناء فاذا سمح لنا الاسلام باتباع بعض الظن في حالات خاصة يكون اتباع الظن في تلك الحالة سائغا.
اذن هل توصلت معي الى النتيجة التالية: الاصل ان الظن ليس حجة الا في الحالة الخاصة التي نعلم فيها بأذن الشارع الاقدس باتباع الظن ؟ اجل هذا الاستنتاج صحيح تماما ارجو ان تكون فهمته. لكن السؤال هل الشريعة أذنت باتباع الظن المتولد من فتوى الفقيه ؟ الجواب مرة نتكلم عن فتوى الاعلم واخرى نتكلم عن فتوى غيرالاعلم. اما فتوى الاعلم:- رغم ان فتوى الاعلم لا تولد أكثر من الظن لكن مسألة تقليده داخلة في القسم الاول أعني المسائل الواضحة فكل الفقهاء والعلماء متفقون على صحة تقليد الفقيه الاعلم. واما فتوى غير الاعلم:-
وما هو حكم تقليد الفقيه غير الاعلم؟ الجواب هذه مسألة فقهية ليست من القسم الاول فهي ليست من واضحات الشريعة. نسأل فقهائنا فنرى الغالبية الساحقة ترى عدم جواز اتباع فتوى غير الاعلم خصوصا في حالات الاختلاف في المسائل حتى الفقيه الكبير السيد المرتضى علم الهدى (ره) المتوفى سنة (٤٣٦) هجرية يرى ان تعيين تقليد الاعلم من المسلمات عند الشيعة كما نقله عنه السيد الخوئي ره.
ولكن في المقابل نرى عددا محدودا من العلماء يرى جواز اتباع فتوى غير الاعلم فما هو العمل إذن؟ هل يمكن ان نقلد الفقيه الذي يقول بعدم وجوب تقليد الاعلم في هذه المسألة؟ الجواب يأتي لاحقا باذن الله.
الحلقة الثانية
سأحول التبسيط قدر المستطاع وأصيغ الموضوع بشكل يشبه الحوار: حسنا تكلمنا في الحلقة السابقة عن ان تقليد الاعلم داخل في القسم الاول من الاحكام (الاحكام البديهية والواضحة). سؤال هل تقصد ان مسألة تقليد الاعلم لا تقليد فيها؟ أجل تماما حين نقلد الاعلم فنحن لا نتبع احدا، ولا نقلد في هذه المسألة أي أحد. ومن هنا قال الفقهاء بانه لا تقليد في مسألة التقليد. فبالرغم من اننا نقلد الاعلم ولكن لا نقلده في هذه المسألة وذلك لوضوحها في الشريعة. سؤال:- وماذا عن تقليد غير الاعلم؟ فكثير من الناسريقلدون غير الاعلم بحجة انه يفتي بجواز تقليد غير الاعلم، أليس هذا من التقليد في مسألة التقليد؟ الجواب أجل هو من التقليد في التقليد ولذلك هذا النحو منالتقليد باطل قطعا. سؤال:- تقول باطل ؟ سبحان الله.
الجواب أجل باطل إذ أن حُجية فتوى غير الاعلم لا تثبت بفتوى غير الاعلم، لانه من باب اثبات الشيء بنفسه، وبطلان ذلك من اوضح قوانين العقل والمنطق. ولهذا نجد كل الرسائل العملية تقول: لا يجوز التقليد في مسألة جواز تقليد غير الاعلم. سؤال:- أليس بعض العلماء يقول بان تقليد غير الاعلم جائز فلماذا تقول: بان تقليده باطل قطعا؟ هل تقصد الرد على هؤلاء العلماء؟ لك رأيك ولهم رأيهم لماذا تتعصب لرأيك وتقول تقليد غير الاعلم باطل قطعا؟ الجواب ومنه تعالى نستمد الصواب لم تفهم قصدي أرجوك هناك مسئلتان لا تخلط بينهما. سؤال:- وما هما ؟ الجواب ١- مسألة تقليد غير الاعلم هل هي جائزة او ليست جائزة هذه مسألة مختلف فيها وان كانت الشهرة العظيمة لصالح عدم الجواز. ٢- مسألة تقليد غير الاعلم في مسألة جواز تقليد غير الاعلم. وهذه مسألة لا خلاف في عدم جواز التقليد فيها اذ لا تقليد في التقليدفلا يمكن اثبات الشيء بنفسه. فسواء كان راي الفقيه الجواز في المسألة الاولى اوعدم الجواز فراي الكل في المسألة الثانية عدم الجواز. سؤال كيف نقلد غير الاعلم او متى يسوغ لنا تقليده؟ الجواب لا يجوز تقليده بحال من الاحوال الا في الحالات التالية: ١- ان تكون متجزءاً وترى بنظرك ان تقليد غير الاعلم جائز. ٢- ان يفتي الاعلم بجواز تقليد غير الاعلم. ٣- ان يكون الاعلم محتاطا في مسألة فنرجع فيها للتالي في سلم الأعلمية. سؤال اسمح لي بهذا السؤال ما هو الدليل أساساً على وجوب تقليد الاعلم وبطلان تقليد غيره؟ الجواب اسمح لي هل فهمت ما قلته لك بما ان فتوى الفقيه الاعلم وغير الاعلم لا تفيد اكثر من الظن فمقتضى القاعدة القرآنية لا يجوز التقليد أساساً لأنه اتباع للظن ولكن بما ان مسألة تقليد الاعلم داخلة في القسم الاول من الاحكام فهي غير خاضعة للتقليد وتعتبر استثناءً وعلمنا يقينا بإذن الشارع باتباع الظن في هذه الحالة الخاصة. أما غير الاعلم فلا علم ولا يقين بإذن الشارع في تقليده وبالتالي لا يجوز تقليده.
سؤال: هل تقصدان الأصل عدم جواز تقليد غير الاعلم حتى يثبت العكس؟
الجواب أحسنت تماماً القرآن الكريم يقرر لنا أن لا نتبع الظن الا في الحالات الاستثنائية. وبالتالي من يسوغ تقليد غير الاعلم هو المطالب بالدليل نقول له ما هو دليلك؟
أليس المتهم بريء حتى تثبت إدانته؟ فمن يدعي الادانة عليه ان يثبت بالدليل والا فالاصل البراءة ، فكذلك هنا الاصل عدم جواز تقليد غير الاعلم فمن يدعي جواز تقليده عليه ان يثبت ذلك لنا بالدليل، باعتباره استثناءا من الايات الناهية عن العمل بالظن.
سؤال:- أليس من يقول بجواز تقليد غير الاعلم يعتبر الظن الناشىء من فتوى غير الاعلم مستثنى ويجوز اتباعه؟
الجواب بنظر المفتي نعم ولكن يبقى بالنسبة لك ظن لم يقم دليل يقيني على استثنائه.
سؤال:- هل معنى كلامك انه إن لم نحصل على يقين بجواز تقليد غير الاعلم لا يجوز تقليده حتى ولو هو جوز لنا؟
الجواب تماما ببساطة لان القرآن الكريم ينهى عن اتباع الظن كما في الآيات العديدة المتقدمة وبالتالي لا محيص عن العدول عن غير الاعلم الى الاعلم. سؤال أتريد ان تقول ان غير الاعلم يفتي بغير علم أهذه تهمة يجوز لك تلفيقها ضد الفقهاء والعلماء ومن أنت حتى تقول ذلك؟
الجواب مهلا مهلا
لم أقل ذلك فالفقيه غير الاعلم حينما يفتي مثلا بجواز تقليد غير الاعلم يفتى بذلك مستندا لحجة فليس ممن يقول على الله بغير علم.
سؤال:- ها قد وصلنا اذن فلنقلده اذ فتواه عن علم؟
لا يا عزيزي
فتواه ان كانت عن علم فذاك بالنسبة له اما بالنسبة للعامي ففتواه لا تفيد العلم خصوصا في مقابل تسالم علماء وفقهاء الطائفة على عدم جواز تقليده اذ لا يمكنك ترجيح قوله على قول المشهور اعتباطا.
سؤال انا قلدت وانتهى الامر فلن اعدل عن مرجع تقليدي وكلامك هذا لمن يريد ان يقلد ابتداءاً أليس كذلك؟
الجواب كلا يا عزيزي
يجب عليك العدول للفقيه الاعلم والا فتقليدك بحكم عدم التقليد فلا فرق بينك وبين من لا يقلد أبدا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكاتب: الشيخ سعيد محمد القريشي المصدر: شبكة نور الاحقاقي