رغم كل ذلك أهل العصمة لم يطرحوا مسألة الأعلمية صيغة تفضيل نجريها بين عَلَمَين في اختصاص ديني، أو دنيوي أرضي، ولكن لا شك نحن نستخدم هذه الصيغة التفضيلية كتعيين علمي اجتماعي في المجتمع الشيعي العام و الحوزوي الخاص. ولكن رغم الاتفاق في الصيغة اللغوية كان هناك جدلاً واسعاً في ماهية الأعلمية الفقهية وجوهرها. هل هي الأحفظيّة للفتاوى، وكثرة الإحاطة بها؟ أم الأقدريّة على تطبيق القواعد الممهدة للاجتهاد؟ أم العلم بمواطن الإجماعات واختلافها؟ أم كل ذلك وأكثر؟ وحتى الآن لم يستقروا بعد على حقيقتها. المتفحص جيداً لن يجد جدلا واسعًا في بحث وتطبيق هذه الصيغة التفضيلية سوى في القرن الأخير، أو ما قبله قليلاً ويعود ذلك إلى الصراع على قيادة المجتمع الشيعي من خلال تمركز السلطة والمال في أيدي فئة دون فئة، والذي أشعل هذه المسألة التطور الكبير في شكل المرجعية الدينية كجهاز مؤسسي حيث كان سابقاً موزعاً بشكل كبير بين الفقهاء ويحمل الصفة البدائية في الإدارة ويتسم القائمون بالعفوية والطهارة، أما الزعامة الكبرى، فكانت أشبه بالشّرفية أو الاستثنائية في بعض القيادات كما عند الشيخ الطوسي والمفيد «قدس سرهما» ولا يعود لخصوصية الأعلمية كمبدأ فقهي. ويعود ذلك لقلة المال وصعوبة التواصل الجغرافي والاتصال الاجتماعي. وحينما بدأت تتطور مسألة التواصل والاتصال بحيث يمكن لرجل أو فئة بث رئاستها لمساحة بشرية وجغرافية أوسع بدأ شكل الجهاز المرجعي يأخذ شكل التمركز الكبير للمال والسلطة وعمود ذلك كله، أو العباءة الشرعية الأساسية هي الأعلمية الفقهية من حيث تحديد مفهومها وتطبيقها، فنستطيع القول كلما قويت وسائل الاتصال والتواصل بين القائد والأطراف اشتد الصراع على تحديد مفهوم الأعلمية ومن هو الأعلم. والمراقب للوضع الاجتماعي التأريخي للمجتمع العلمي الشيعي يجد أن هناك تقارن أكيد بين الصراع الاجتماعي على تركز السلطة والمال وظهور مبدأ الأعلمية وتطبيقه، ليعود بالنفع المالي والسلطوي لفئة دون أخرى وهذان الأخيران السلطة والمال كانا جوهر الصراع الدامي الطويل، وحتى الآن لا زال هذا المبدأ يهدم أكثر من أن يبني، وهذا لا شك خلاف الغرض العلمي منه.
................................................................................................................ لإكمال المقال اضغط على الأيقونة بالأعلى