نبذة عن حياة ميرزا موسى الحائري الإحقاقي الأسكوئي (قدس سره الشريف)
نبذة عن حياة المولى ميرزا موسى الإسكوئي ( قدس سره)
كان مولانا المقدس آية الله الحاج ميرزا موسى خلف آية الله الآخوند الميرزا باقر الإسكوئي قدس سرهما عالماً عاملاً ، فاضلاً فقيهاً ، تقياً نقياً ، ورعاً ، جامعاً بين المعقول و المنقول ، حاوياً للفروع و الأصول ، محققاً مدققاًَ أبي النفس عالي الطبع ، ذا وقار عظيم وسكينة مهيبة ، يخاطب الجاهل بالسلام إذا أساءه بالكلام ، حسن التقدير جيد التحرير ، حافظ مطلعاً ، بل له الإحاطة بقالب الأخبار حتى قال يوماً لبعض الطلبة و أصدقائه الحاضرين ، من أتاني برواية أو حديث لم أطلع عليها فله ما يطلب ، أنيساً في المجالس و الحديث ، وصار مرجعاً للعرب و العجم . كان صابراً على مر الزمان ومضض الدهر ، وغالباً كان مديوناً حتى ارتحل من الدنيا ودار سكناه مرهونة بستمائة وخمسين ديناراً عراقياً ، وله رسالة عملية عربية طبعت في النجف الأشرف ورسالة فارسية طبعت مرتين في تبريز.
: ولادته كانت ولادته قدس سره في كربلاء المقدسة في اليوم الخامس و العشرين من شهر شوال سنة 1279 هـ . فلما بلغ خمساً من السنين أتى له والده بمعلم يقرئه الجزء و القرآن فختمها في خمسة أشهر ثم قرأ بعض الكتب ثم أتوا بمعلم آخر يعلمه الصرف و النحو وهكذا إلى أن جعله والده عند العالم الفاضل ملا علي أصغر بن الملا بابا فقرأ عليه النحو و المنطق وعلم المعاني و البيان و علم البديع ونصف من كتاب " معالم الأصول " ثم تمم النصف الآخر من ذلك الكتاب عند والده المقدس ، وقرأ أيضاً عند العالم العلامة الورع التقي الآخوند محمد تقي الهروي قدس سره صاحب " الحاشية على الرياض " و كتاب " عدة في الرجال "، وحضر عند العالم العلامة وحبر الفهامة الشيخ علي اليزدي المدرس المعروف في زمانه صاحب كتاب ( إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب عليه السلام ). ولما توفي الميرزا محمد باقر قدس سره في سنة 1301 هـ قد بلغ عمره اثنين وعشرين سنة ، وعامة عرب كربلاء الذين كانوا يقلدون بعد الميرزا حسن كَوهر الميرزا محمد باقر قدس الله سرهما، توجهوا كلهم إليه أي إلى ميرزا موسى قدس سره لصلاة الجماعة عموماً في الروضة الحسينية طرف الرأس على عادة والده المقدس ، وكان يصلي الأوقات الثلاثة بجمعية كثيرة مدة مديدة ثم أنه قد تحرك الحسد و الأضغان من بعض أئمة الجماعة وهم بغصب محل الميرزا موسى قدس سره في الروضة غافلاً من أن المحل للراتب المعين ولا يجوز الإمامة من غيره في محل الراتب إلا بإذنه ورضاه ولم يبال بذلك إلى أن جمع في الصحن الشريف حوله جماعة من المعممين ولفيفاً من العجم ونظره أن يهجموا على الميرزا موسى وجماعته العرب في الحضرة المقدسة وقت صلاة المغرب يزحزحوهم عن مقرهم ومحلهم في الحضرة و العرب أشعروا بذلك ورئيسهم وقتئذ المرحوم الحاج حسين الحمزة أمر العرب فازدحموا بعنوان صلاة المغرب في الحضرة المقدسة ملئوا الحضرة و المسجد و الرواق وعينوا في الكشوان عدة من العرب مسلحين وعلى قبر المرحوم الشيخ خلف كذلك عدة معتدة بها المسلمين نظرهم الدفاع إذا هجم العجم في الروضة ولما دخل ميرزا موسى المقدس إلى الحضرة المقدسة للصلاة وقت المغرب رأى أن الحضرة المقدسة و المسجد ملئان من الجماعة وحين مسيره إلى الحضرة صحبه في الطريق واحد من المؤمنين و أعلمه بالوضع وما عزم الناس عليه فلما دخل الحضرة ورأى ازدحام العرب في الحضرة وعرف الوضع رجع آيباً فقال الرئيس الحاج حسين الحمزة وغيره من الأشخاص أصروا بالرجوع و الصلاة قال لهم ما هذه العدة ؟ ولم هذه الجمعية و الازدحام ؟ أجابوا : مولانا أتوا للصلاة. أجابهم : إن هذه الليلة لا ليلة الجمعة ولا ليلة إحدى الفضائل من عرفة أو نصف شعبان أو غيرها من الليالي التي يكون فيها توجه الجماعة إلى الزيارة و الصلاة وليس من عادتنا في سائر الليالي غير الليالي المعروفة هذه الهيئة و الازدحام وكلما أصروا عليه وألحوا بالرجوع إلى الحضرة المقدسة أبى وامتنع وقال : هيهات أن أكون سبب لهتك الحضرة وعدم الاحترام للإمامu وسبباً لسفك الدماء لأجل الإمامة وصلاة الجماعة وهيهات أن اتبع أهواء العوام في هذه الأمور بعدما جاءني من العلم ورجع وصعد وصعد على سطح الكشوانية وقال : من أراد الصلاة بلا ريبة ولا رياء فهنا تصلي ( في الصحن الشريف ) وجميع العقلاء تعجبوا من صنيع الميرزا موسى على حداثة سنه وهو ابن اثنين وعشرين سنة كيف راعى احترام الإمام u وما رضي بهتك الحضرة مع العلم بأن الغلب يكون له وللعرب لأنهم أهل البلاد وهم عشائر ومعروفون بالشجاعة و السيطرة وما قابلوهم لم يراعوا احتراماً ولا ذماً وقصدهم الهجوم والهتك بلا مبالاة والجماعة المؤتمين للميرزا موسى جعلوا كلهم بعد الصلاة لدى المصافحة يعزمون عليه ويلومونه ويقولون : ياحيف يا ميرزا أنت أيضاً صرت فقيراً مثل والدك المرحوم وأمثال هذه العبارات كسرت شوكتنا وذللتنا وصرت سبباً لانكسار العرب وذلهم وكان صابراً محتسباً يقابلهم بلطيف الكلام وتمام اللين والإكرام. قال ميرزا موسى : تلك الليلة تجسم عندي رزء الإمام الحسن المجتبى حيث كان المؤمنون بعد الصلح مع معاوية يخاطبونه يا مذل المؤمنين قال ميرزا موسى : فلما كانت الليلة الثانية في الواقعة أتى المغفور له السيد جواد كليدار المرحوم وأخذ مصلاي ( سجادتي ) بيده وفرشها في الرواق تحت رجلي الإمام خلف الباب الذي يفتح منه الشهداء وقال يا ميرزا هذا محلك وأنت المشكور عند هذا الإمام وعندنا ولدى العقلاء عموماً حيث حفظت الاحترام و الذمام لهذه الحضرة المقدسة وكان مستمراً في الصلاة في الرواق المذكور وهذا مختصر مما فعل لي والدي المقدس وسمعته منه تكراراً ، غير مرة بعض الأشخاص أيضاً سمعت نظيره . ولما رأى ميرزا موسى أن الإمامة و إقبال الناس إليه يشغلانه عن تكميل علمه وتكميل نفسه ترك الإمامة و الرياسة الظاهرية ولم يعبأ بازدحام المؤمنين وتوجههم إليه و اجتماعهم عليه في الصلاة ونهض ظاعناً إلى النجف الأشرف و اصطحب معه فقط زوجته الطاهرة قاصداً باب مدينة العلم وترك الدار و العائلة و الخادم و الخادمة وتجرد لتكميل نفسه وعلومه وكان بأتي إلى كربلاء فقط أيام الفضيلة ولإقامة المآتم في عشرة محرم ثم يعود إلى النجف الأشرف فحضر عند أساطين زمانه كآية الله الميرزا حبيب الله الرشتي و آية الله الميرزا الآخوند ملا محمد الأيرواني وآية الله الميرزا حسين قلي الهمداني و آية الله الشيخ هادي الطهراني وفي الأواخر مدة يسيرة حضر بحث آية الله الفاضل الشربياني وكان هواء النجف الأشرف يومئذ لطيفاً بارداً طيباً معتدل لابأس مادام البحر موجوداً ولما جففوا ماء البحر بقطع مواده في السنة الخامسة أو السادسة بعد الثلاثمائة و الألف تغير هوائها وصارت حارة يابسة لم يتمكن الميرزا موسى قدس الله سره من الاستقامة فيها لحرارة مزاجه مع كثرة استعمال المبردات وانصراف من العزم بالبقاء مدة طويلة وصار مجبوراً بالرجوع إلى وطنه ومسقط رأسه كربلاء المعلاة فاستقر فيها للدرس و التدريس مع بعض الخواص من الطلبة و التأليف و التصنيف وترك صلاة الجماعة في الروضة الحسينية لما رأى أن المحل المقرر له من المغفور له الكيدار المذكور أشغل من بعض أئمة الجماعة ، اختار ميرزا موسى قدس الله سره الانسحاب من الصلاة في الروضة المقدسة وجعل يصلي في داره جماعة بجمعية كثيرة سنين متطاولة إلى أن هيأ الله تعالى شراء ديوانية الدماء في سنة (1344 هجرية ) بأمره أعلى الله مقامه جعلها حسينية و نقل صلاة الجماعة إليها ، كان يصلي فيها صلاة المغرب و العشاء.
: مؤلفاته : لهذا العلامة الكبير مؤلفات عديدة في الفقه و الحكمة و التفسير وقد طبع بعض منها وهي
الرسالة العلمية باللغة العربية وتسمى ( لطائف الدرر في الفقه ) ويبلغ عدد صفحاتها ( 488) صفحة .
رسالة مناسك الحج باللغة العربية.
رسـالــة البــــوارق.
كتــاب العنــاويــن.
كتــاب الفصول الغريـة.
رسالة مفصلة في الرضــاع.
رسالة في أجوبة مسائل العالم الفاضل الشيخ حسين الصحاف ( رحمه الله ).
كتــاب إحقـاق الحــق.
كتــاب تنـزيه الحق (( باللغة الفارسية )).
رسالة في أجوبة السيد مهدي الكيشوان رحمه الله.
رسالة في أجوبة مسائل الملا إبراهيم البصير الكويتي رحمه الله.
رسالة في جواب سؤال حول أبيات أنشدت في العلم المكتوم المرموز و مطلعها :
ألا أيها الساري على كور سالج *** تجوب الفيافي فدفداً بعد فدفد تحمل رعاك الله عني رسالــة *** تبلغهــا أهـل المدارس في غـدٍ
: وفاته ولما صار طاعناً في السن وبلغ في العمر ثمانين سنة ضعفت بنيته وهزل جسمه وصعب عليه الالتزام بصلاة الجماعة ، تركها مطلقاً وفي 84 من عمره الشريف الموافق ( 1363 من الهجرة ) ابتلى بمرض الشلل وما امتنع من مراجعة الأطباء والدكاترة أبداً ودام معه المرض إلى الخامس من شهر رمضان وقد مضى (85 ) عام من عمره الموافق سنة ( 1364 من الهجرة ) ففي زمان الظهر من ذلك اليوم لبى دعوة ربه وقضى نحبه وصار إلى روح وريحان وجنة ورضوان إنا لله وإنا إليه راجعون. أقيمت له الفواتح و التراحيم والذكرى في بلاد العرب وإيران وقراها ودفن في مقبرة آبائه ( أعلى الله مقامهم ). -------------------------------------- المصدر : كتاب الأنوار اللامعة للشيخ كمال العوض الأحسائي حفظه الله تعالى