العُجْب بِالنَّفْس الإنسان في أثناء عبادته للخالق عز وجل ، إما أن يستعظم عمله أو يشعر بالتقصير دائماً فيما يقدم فالأول مذموم و الآخر حسن و ممدوح. من يريد أن يستعظم نفسه ، فليتأمل حالاته ويرى كيف يصفه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب u حينما يقول : { أوله نطفة قذرة ،وآخره جيفة نتنة ، وهو فيما بينهما يحمل العذرة} نهج البلاغة حكمة 451. تدبر أيها الإنسان في هذا حتى تصل بهذا التدبر إلى أسمى مراتب المعرفة بذاتك ، وتبعد نفسك عن الدخول في هذا المرض الذي فيه هلاكك قال مولانا أمير المؤمنين أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب u:{ من دخله العجب هلك }وسائل الشيعة ج1ب3. سأل النبي موسى u للشيطان عليه اللعنة :- { أخبرني بالذنب الذي إذا ارتكبه ابن آدم استحوذت عليه ، قال عليه اللعنة :- إذا أعجبته نفسه ، واستكثر عمله ، وصغر في عينه ذنبه}أصول الكافي ج2باب لعجب ج8. فإن أول خيوط الشيطان إلى نفسك هو خيط العجب ومنه يزين لك حتى السوء ، وثم تسيطر عليك الروح المادية ، وبه بداية كل ذنب ، ومن مظاهر العجب هو أن ترى نفسك ولي من الأولياء ، وأنك أنت المقصود بالثناء الإلهي وأنت المقصود في كل مدح للعابدين في كلام المعصومين عليهم السلام ، قال تعالى : {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ }فاطر8 ، فلا تدع للشيطان فرصة حتى لا يجعل منك شخصية خارجه عن ميزان الحكمة والعدالة النفسية. من يريد استكمال مسيرة هذا المرض في نفسه فلا شك أنه سيؤدي به إلى عدم الشعور بالتقصير ويرى دائماً أن له المنة على الله تعالى. ويظن أن ما قدَّمه كفيل بغفران الذنوب. هذا طبعاً فكر الجاهل المقصر المعجب بنفسه ، وإن لم يكن كذلك لاتَّضَح له معنى التقصير الذي دائماً يردد على لسان الأنبياء و الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام ، هؤلاء العاملون العارفون نجد خطابهم دائماً فيه مطلق الاعتراف بعدم المعرفة والتقصير للجبار جل ربي وعلا حيث يقولون { ما عرفناك حق معرفتك ، ولا عبدناك حق عبادتك } . فلا تستصغر أيها الإنسان عبادتك حتى لا تفسد بذلك أخلاقك ، ولا تصل بك عبادتك حد العجب وترفع بك نحو فساد الأعمال. لكن حب الذات أمرٌ مفطور عليه الإنسان وعلى الإنسان أن يحذر نفسه حتى لا يكون هذا الحب هو أول خطوة يخطوها نحو الغضب الإلهي. إن من أوحش الصور بعد الموت صورة العجب ووحدتها هي أوحش وحدة قال النبي صلى الله عليه وآله { ولا وحدة أوحش من العجب} رسائل الشيعة ج1ب23. ونجاتك أيها الإنسان من هذا لا يكون إلا بمعرفتك لنفسك لأنك بهذه المعرفة تعرف من هو الله ومن هو أنت قال رسول الله صلى الله عليه وآله {أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه}روضة الواعظين ص20. وأن من أول فوائد معرفة النفس هو أن تعرف معنى انكسارها واستصغارها وأن في ذلك فوائد عظيمة دنيوية وأخروية.
روي أن الله تعالى أوحى إلى النبي موسى عليه السلام : { أن يا موسى أتدري لمَ اصطفيتك بكلامي دون خلفي قال : يا رب ولم ذلك ؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : أني قلبت عبادي ظهراً لبطن فلم أجد فيهم أحداً أذل نفساً لي منك}.
بقلم سماحة الشيخ كمال بن عبدالعزيز العوض الأحسائي حفظه الله تعالى التاريخ : 5/8/1432هـ